الزوج الذي كان دائماً ما يتباهى أمام أصدقائه بأنه صاحب "الكلمة الأخيرة"، في منزله، تفوقت زوجته على كل خبراء المفاوضات والحواريين في استراتيجياتها لتغيير رأيه الرافض لمن تقدم لخطبة ابنتهما. فبعد أن تتأكد من أن الإرهاق حل بزوجها من جراء المشاكل التي نسجتها حوله، تفتح عليه وابل من الأسئلة، ماذا نفعل فموعد الضيوف قد اقترب؟ كيف نستقبل الضيوف؟ أخبرتني البنت أنها موافقة فماذا نقول لهم؟ لماذا أنت صامت ألا تقول لي ماذا نفعل؟

ينظر إليها بعيون ملأها الترجي أن تترك له مساحة ليقول الكلمة الأخيرة... ليفك الحصار عن نفسه وينفذ بجلده، تومئ له بأن يقول الكلمة الأخيرة ... وعندها يقول لها: ( أفعلي ما تريه مناسباً)، ( ديلايكي  قـبــــري، دس زبـــلَّــكي قبري!)... فهذه دائماً ما تكون (الكلمة الأخيرة له في كثير من القرارات المصيرية في المنزل عندما يبقى عنده "المطلب الشعبي" هو أن يأخذ قسطاً من الراحة).

ويرتمي على أقرب مسند لترتاح جثته قليلاً قبل موعد الضيوف... وقد حُصِّر دوره تماماً بانتظار إشارة من وراء الكواليس بـ(الموافقة) القرار الحاسم والمُعد بإستراتيجية وسيناريو غاية في الإتقان. . . ويكون مهموماً بالمظهر الجيد الذي يجب أن يستقبل به الضيوف... وتأتي إلى مسامعه دندنات غنائية من المطبخ (كم ديلايـي أنــي كم ديلايــي) تجعله مبتسماً ومتأملاً فيما تعنيه السياسات الناعمة وكيد زوجته العظيم.

الكيد المباح من هذه الزوجة يختلف تماماً عن كيد الدكتاتور الكيد المبني على الجهل بأبسط آليات العمل السياسي ومعنى قيمة الشراكة (وكفالة حقوق الشركاء)، كيد مبني على التقتيل والسجن والتعذيب... كيد الديكتاتور أفورقي مثَّل قدوة لأسرة بحجم الوطن وجميعنا يعرف ما تعنيه القدوة، فلن يحق لنا الاستغراب إذا ما تفلتت  الأوضاع "لا قدر الله" في الأسرة الارترية وبدأ الكل ضد الكل في حرب شوارع كبقيتنا في الدول الأفريقية في تجربة مأساوية يرى الكثيرون "أنها ضرورة حتى يسود الاحترام المتبادل بين الجميع" لإحساسهم بالظلم البائن وازدواجية المعايير في كل شيء من الأسرة الحاكمة و"الشعور بالغربة في الوطن"  وهو أصعب شعور على الإطلاق لا يدرك كنهه  إلا من مر به ... والغرابة والبلادة كلها تمثلت في وجود الدعم والتأييد "وعدم الاعتراف بالمظالم" من بعض ضيقي الأفق والذين تربطهم بالأسرة الحاكمة رابط الدم واللغة والدين فقط . . . ليضربوا عرض الحائط بكل مفاهيم الوطن والوطنية وقيم الشراكة ...

ولا نرى أي ضرورة لتجربة "الكل ضد الكل" ونعمل ما أمكن لتجنب مثل هذه الاحتمالات...ونطلب السلام  
ولمن يخاف أن تلصق به صفة الجبن لطلبه السلام نقول له يكفي التاريخ البطولي الطويل لهذا الشعب بعمر وجوده في الخارطة الارترية وإن حاول بعض "المستنسخون" طمس ملامحه التاريخية وهويته  ... والحمد لله على نعمه التي أنعم بها علينا من خصال كريمة وصفات حميدة محفوظة في شفرات الـ(DNA) ... وليجنبنا قبح الجبن والخيانة ...
ولكننا ننشد السلام لقيمه الأسمى.
ولأننا أولى بالدعوة إليه.    
لأننا نؤمن بالسلام وحده ولا نشرك به شيئاً ...
وطلب السلام قد يعني الخضوع والخنوع والذل والانكسار إذا عني الاستسلام للعدو... ولكن السلام الذي نرجوه هو سلام الأسرة الواحدة التي يحتضنها وطن واحد ولها جيش...
السلام الذي نرجوه أن لا يقتل الفقير أخيه في الفقر من أجل أن يرث الأغنياء موارد الدولة ...
السلام الذي نرجوه أن لا يقتل الجار أخيه الجار والمستفيد هو الغريب القادم من خلف المحيطات ... واليهود قتلة الأطفال ...
السلام الذي نرجوه هو الذي يدعم وحدة النسيج الاجتماعي في القرن الأفريقي ويعمل على النهوض باقتصاد المنطقة لتستغل المنطقة بإرادتها وتتجنب الدعومات المشروطة بتنفيذ أجندة لا تخدم وحدة شعوبها... والسلام الذي يحررنا من نير العبودية والاستعمار في الثوب الجديد.

وفي أخر مشاركة كتابية لي بعنوان (الحوار الوطني الارتري للتغيير الديمقراطي وطموحات القرن الأفريقي)... حتى تصل الشواطئ إلينا أمنة وبالحد من الخسائر في التحولات التي باتت ضرورة حتمية كنت قد أشدت بدور مؤتمر السلام إذا كان أخذاً للسلام مساراً سليماً دون أن يخفي أهداف أخرى غير المعلن عنها، لأن السلام يمثل أكبر مغريات الوضع الراهن.
نعم نحتاج للسلام لأن الحرب والسلام باتت كالسلع التي تصدر من وإلى الجوار فإذا ما حل السلام بيننا في الداخل وأحاط بنا، لن تجد كوابيس الحرب نافذة لتطل بها علينا ، ولكن وردت إلينا بعض الملاحظات للنشر:

*    يحسب للحركة الشعبية كمبدأ نجاحهم في فيما فشل فيه آخرون وإيجاد الفكرة والدعم لمؤتمر السلام، وإذا كانت نواياهم جادة وخالصة وصدورهم مفتوحة حقاً لتحقيق السلام، نسألهم التجاوب مع النداءات العامة، ونتوجه إليهم بالنصح ونذكرهم بأن ما يصل الرأي العام حتى الآن عن الحركة الشعبية لمؤتمر السلام يصل عبر إعلانات مختصرة وإشاعات مغرضة بحقهم سنعتبرها مكايدات في إطار التنافس ما لم يثبت لنا العكس، ونذكرهم بأن الرأي العام الذي يعمل الكل من أجله مازلت أزمته قائمة وقابلة للتصعيد والاستثمار العكسي، فالكل ينظر إلى أنه هو المستهدف بهضم الحقوق ولا يثق إلا في  أخيه القريب وهذا من معطيات واقع الآثار السالبة للسياسات الديكتاتورية والاقصائية و"سياسات فرق تسد"، لذا نرجو منهم أن يقوموا بنشر أسماء القائمين على الهيكل الإداري ومؤسسي حركتهم "ليسجل التاريخ لهم فضل السبق"، ولأن السلام ليس عمل من الأعمال السرية والسلام يقوم على النداء المسموع والشفافية العامة والسلام شعاره أبيض يرمز إلى الظهور والوضوح و"الصورة وحدها لا تكفي فالارتريون متشابهون إلى حد بعيد جداً"، ("سِئلي طيراي أي أكلين إيو هزبي ارترا بطعمي يمساسل"، كالئ خي "إزيؤوم سبأآت من إيـوم كي نبهاهل")، فقد جاء الوقت الذي يريد الكل أن يرى ويعرف عن من يمثله في أي محور من محاور الحياة السياسية (حتى لا نفاجأ بعد كل برهة بخروج "وثائق عهد" بحجم أصغر من كل الدوائر)... ونتمنى أن تفتحوا صدروكم إلى أكثر من ذلك. فما يحتاجه السلام هو القلوب المفتوحة ...

*    يحسب للحركة الشعبية لمؤتمر السلام "عبقريتهم" في أن فكروا في السلام قبل نشوب الحروب وهذا فيه ما يدعوا إلى التفاؤل، ولكن في واقع الأمر نحن لا نتمتع بعلاقة حميمة فيما بيننا، ولكننا كمعارضة وشعب نتميز بعلاقات جيدة مع الجوار وصداقة جيدة حتى مع الشعوب التي سبق لحكامها استعمار ارتريا (الشعب اليوناني ،التركي ،الإيطالي والشعب الأثيوبي) وهذه الشعوب هي التي تستقبل اليوم المهاجرين واللاجئين الارتريين (منقدي تركي، منقدي مالطا، شمال آلبا، الشقراب) والشعب الأثيوبي هو من يحتضن أعمال المعارضة الارترية، ولا نظن أن هنالك من يريد العودة إلى المربعات السوداء. . . فالذاكرة ما زالت رطبة بدماء الشهدا. وفيما يتعلق بالقضايا العالقة فنحن نعيش في عالم تحكمه القوانين وهناك "أكثر من طريق" لحل القضايا وكلها لنا بها تجارب، إذاً من يحتاج إلى مؤتمر سلام في القرن الأفريقي بشكل عاجل وملح (هو "هقدف" النظام الذي بات منبوذاً من شعوب المنطقة)... والشعب الارتري والمعارضة يجدان تعاطفاً وتفهماً كبيرين من كافة شعوب العالم وحكامهم.

*    تداخل توقيت مؤتمر السلام في القرن الأفريقي مع توقيت الحوار الوطني الارتري للتغير الديمقراطي مابين أواخر مايو وأواخر ويوليو، مع العلم بأن القيام بمثل هذه الأعمال تكون في حاجة لمجهودات ومقومات عمل ضخمة من إعداد وكادر وإمكانيات مادية وعلمية كان الأولى أن يستفاد منها في أعمال مؤتمر الحوار الوطني للتغير الديمقراطي وفي ترتيب البيت الداخلي ومن ثم بعد ترتيب ما حول البيت ...

*    إن إصرار الحركة الشعبية على قيام مؤتمرهم في الموعد المحدد قد يفهم منه التعويق دون قيام مؤتمر الحوار الوطني الارتري للتغير الديمقراطي أو تشتييت الجهود الرامية لعقده، والوضع بحاجة إلى تنسيق تام بعيداً عن المكايدات السياسية التي قد تعجل لنا بالأزمات.

*    وهذه دعوة لا تتنافي مع ما نحتاج  إليه من منطق في هذه المرحلة فنأمل من كافة القوى الارترية الفاعلة والمناضلة بكافة ألوانها ومن الأخوة في الحركة الشعبية لمؤتمر السلام والذين فتحوا صدر واسع في منشورهم الأخير العمل على توحيد كل الجهود والطاقات وتوجيهها في اتجاه حوار البيت الداخلي والعمل على غرس قيم السلام للارتريين فيما بينهم ومن ثم التحول إلى المساحة الأكبر والبيت الأكبر القرن الأفريقي وهي دعوة نتمنى أن تجد منهم الاستجابة لما ترمي إليه من إدراك للمصالح الوطنية العامة ولما تشهده المرحلة من حساسية تاريخية فاصلة والتي تحتاج إلى نظرة واعية ومدركة لحقيقة الجهود التي ينبغي أن تبذل، والدعم الذي يمكن أن تقدمه كل الكوادر العلمية والمؤسسات والمنظمات.

*    سيكون لمؤتمر السلام في القرن الأفريقي دور أجدى وأنفع من الدور المعلن عنه في ميقاته إذا ما أسس أعماله على الوئام والسلام الداخليين التي تسعى الجهود الرامية في الحوار الوطني للتغير الديمقراطي لتحقيقه. وإذا ما تكللت جهود الحوار الوطني للتغير الديمقراطي بالنجاح وخرجت بآليات عمل موحدة سنكون حينها بحاجة لاتصال قوي وأكبر والحوار مع الجوار في القرن الأفريقي لتشيكل العلاقات البديلة لعلاقات دولة النظام المنبوذ مع كل قوى القرن الأفريقي، فحينها سيكون لمؤتمر السلام في القرن الأفريقي أثر أكثر فاعلية وايجابية من ما هو مخطط له "كل على هواه" وهكذا ترتيب قد يجد دعماً أقوى لضمانات التحول في المنطقة ويجنب الكل الكثير من المخاطر.

*    الأخوة في الحركة الشعبية لمؤتمر السلام عليهم أن يبتعدوا عن التذمر والخطاب الاستعلائي الذي يمكن أن يستوحى من صيغة عنوان منشورهم التنويري الأخير (أجوبة على أسئلة متكررة) وليواصلوا فتح قلوبهم لاستقبال كافة المشاركات التي يمكن أن تدعم العملية السلمية التي ينشدون القيام بها فالسلام عملية شاقة ومضنية وتحتاج إلى الكثير جداً . . . والجراح ما زالت مفتوحة فالكل يشارك من خارج الحدود.... وخائف ومتوجس بمصير أخيه في السجن الكبير . . .

*    سؤال للإجابة: ما الذي يمكن أن يقدمه مؤتمر "مايو"  من دعم للحوار الارتري الوطني للتغير الديمقراطي في حال انعقاده في ميقاته المعلن عنه؟  فالكل يرمي بالمستقبل على عاتق الحوار الوطني الارتري للتغير الديمقراطي.

*    سؤال للإجابة: ما علاقة الحركة الشعبية للسلام بالحركة الشعبية الارترية التي اندمجت في حزب الشعب الديمقراطي... هل هي علاقة تشابه أسماء فقط، أم علاقة إخطبوط بزراع؟

*     نريد منظمات مستقلة تدعم التوجه العام للتحول الديمقراطي ولا نريد منظمات تفرض علينا حزب أو توجه بعينه على الأقل في المرحلة الحالية... ولا ينبغي أن نفكر بنفس الطريقة التي تسببت في المشكلة أصلاً وعلينا أن نترك مساحة للتفكير بشكل آخر مختلف.

كآبأي جميري، "دُمُوع نِرُؤسو، حُسُوم نِرُؤسو" إليى بيرو يتحت


محمد سعيد ابراهيم عبد الله (التركي)
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.
M / Saeed Ibrahim Abdalla (al turkey)