الخميس، 12 نوفمبر/تشرين الثّاني 2009 21:49 دان كونيل
 
 9 نوفمبر/ تشرين الثّاني 2009
 
علاقات إرتريا بالولايات المتّحدةِ كَانتْ مشحونة مِنْذ البدايةِ — شكّلتْ وتَغلّبتْ عليها تلك التي مَع إثيوبيا، بشكل دائم تقريباً ، ما أدى إلى ضررِ بإرتريا على الدوام، بإستثناء كوة فتحت لفترة قصيرة في التسعينياتِ، إذ رَأتْ الولايات المتّحدةَ إثيوبيا كحليف إستراتيجي أساسي في المنطقةِ وتعالجَ العلاقة بإرتريا كفكرة متأخرةِ َتضحّي بها عندما تقتضي أعمالِها أَو مصالحِها بذلك جَريتَا على العكس من إثيوبيا.
 
هذا التاريخِ معروف إلى أكثر الإرتريين، كما ان التواطئُ الأوروبيُ في إرتريا أحدث العديد مِنْ الأعمال الشاقةِ. إُدراكُ هذه البداية  نقطةُ  هامة لأيّ جُهد لتَخفيف التوترات وإعادة الثقةِ،  إن وصول إدارة جديدة في واشنطن وإعادة فحصِ  علاقاتِ كل من أوروبا والولايات المتّحدة بإرتريا تَعطي فرصةً لبداية جديدة، لكن أيّ مبادرات جديدة يَجِبُ أَنْ تَتغلّبَ على تراث ثقيل.
 
أولاً، دعنا ننَراجعُ ونَنْظرُ إلى هذا التراث بالتَركيز على الولايات المتّحدةِ
 
اللقاء الأولي بين الولايات المتّحدةِ وإرتريا جاءَ في 1941 م ، بعد فترة قليلة من سيطرة قواتِ الحلفاء بقيادةِ البريطانيةِ التي هَزمتْ إيطاليا في إرتريا، عندما بَدأتْ شركةَ أمريكيةَ عِدّة مشاريع لصالح الجيش الأمريكي بعد انضمام واشنطن إلى المجهود الحربي المتحالفِ.
 
بينها كَانَ مركز إتصالاتِ في أسمرا في الخمسيناتِ والذي تَطوّرإلى قاعدة ( قانيو إستيشن)، لرُبْع قرن تقريباً وكانت أحد أهم وسائلِ المخابرات الأمريكيةِ ماوراء البحارِ -  حيث ضمت موقع إنصات إلكتروني مُدار من قبل وكالة الأمن القومي وتغظي مراقبته بقدر ما الخليج الفارسي وأجزاء من الإتحاد السوفيتي، حيث يَعترضُ تقنيته، المرسالات البرقيةَ والهاتفَ في نصف درزينة لغاتِ. في هذه الأثناء، موقع إرتريا الإستراتيجي في المدخلِ الجنوبيِ الضيّقِ على البحر الأحمرِ، أعطاَها أهمية خاصّة. للسيطرة هذه البوّابةِ كَانتْ حرجةَ بالطبع للإِسْتِمْرار بفَتْح الممرّات البحرية الحيويةِ التي تُوصلُ أوروبا وأمريكا الشمالية بشرق أفريقيا، الخليج وآسيا خلال السويس.
 
بهذه خلفية، أصبحتْ الولايات المتّحدةَ بطلَ إثيوبيا الرئيسي في الأُمم المتّحدةِ، حيث أُتخِذَ القرار في 1950 م برَبْط إرتريا بإثيوبيا في إتحاد تحت سيطرةِ هيلاسيلاسي. مساندةً للخطةِ، يَتبنّى جون فوستر دالاس نائب المندوب الأمريكي في الجَمعِيَّة العامّةِ وقتها، ووزير خارجية في وقت لاحق، حيث أخبرَ مجلسَ الأمن: ' مِنْ وجهةِ نظر العدالةِ، إن آراء الشعبِ الإرتريِ يَجِبُ أَنْ تَحظى بإعتبار. وعلى الرغم من هذا، إن المصالح الإستراتيجية  للولايات المتّحدةِ في حوض ِ البحر الأحمرَ وإعتباراتَ الأمنِ وصنعِ السلامِ العالميِ هو من الضرورة بِأَنْ تربط هذه البلادِ  بحليفِتنا، إثيوبيا '.
 
لماذا هكذا هي العلاقةِ؟ فقط يَتسْألُ كل أرتري. وأجزم  لك : كُلّ شخص يُمْكِنُه إقتباسَ إجابة ما تقريباً.
 
أعطىَ هذا الإتحادِ إرتريا حكم ذاتي اسمي ودستور بلائحة حقوق الإنسانِ جيدة و برلمان وعَلَم ولغتان رسميتان، تجرينية وعربي -  بهارج السيادةِ لكن لَيستْ ملموسة ماديا، و احتفظَ لإثيوبيا بالسيطرةِ على الشرطةِ والدفاعِ الوطنيِ. في السَنَة التالية الولايات المتّحدة وإثيوبيا وقّعتْا الإتفاقياتَ التي أعطتْ واشنطن إيجار لِمُدة 25 سَنَوات على قواعدِ الإستخباراتَ والجيشَ في إرتريا ، وتَعهّدتْ بالولايات المتّحدةِ لتَزويد المساعدة العسكريةِ والتدريب إلى إثيوبيا. بين الأعوام 1953 و1960، بَنى المُستشارين الأمريكانَ جيشَ أفريقيا جنوب الصحراء الكُبرى الحديث الأول، المكون من ثلاثة أقسام رئيسة كل قسم  مِنْها ضم  6,000 رجلِ ، مُجَهَّزين  بشكل كبير بالأسلحة الأمريكية والأجهزةِ الفائضةِ لديها .
 
أثناء ذلك  وقف عديد مِنْ الأعضاء الأوروبيينِ الحاليينِ والأمريكيينِ بشكل صامت، بينما فكّكتْ إثيوبيا الإتحاد ، وفي 1962م ألحقت إرتريا رسمياً، بعد حَجْز المنشقّين، وأغلقت  الصحافةَ المستقلةَ، وقْمعُ إتحاداتَ العمال والمنظماتَ السياسيةَ، وبرز نظام قمعي ، ومن سخرية القدر جدا، أن يسود مثيل له  اليوم على شعبِ إرتريا .
 
الإرتريون إحتجّوا، لكن بدون تأثيرِ ملحوظِ. هكذا، وبكُلّ دروب الإحتجاجِ السلميِ المغلقة ، فأَسّسَ المنفيين الإرتريينَ جبهة التحرير الإرترية  لشَنّ كفاح مسلّحَ للإستقلالِ، الذي كما نَعْرفُ كلنا استمر للعقود الثلاثة التالية. بينما كَسبَ زخماً، المساعدة العسكرية المُصَعاَّدة الأمريكية إلى إثيوبيا، التي جَمعتْ مِنْ 1946 إلى1975 286 مبلغ1$ مليون، 2 من جملة 2/3 مليار هي كُلّ المساعدة العسكرية الأمريكية إلى أفريقيا. في قمة العلاقةِ بين البلدين ، كان هناك أكثر مِنْ 6,000  أمريكي ومن ضمنهم  متطوعي كتائبَ السلام الـ 925، ضعف عددهم كما في بقيّة القارةِ تقريباً. أثناء هذه الفترةِ، أعطتْ الولايات المتّحدةَ إثيوبيا أكثر مِنْ 350$ مليون أيضاً في المساعدةِ الإقتصاديةِ، وكَانتْ شريك إثيوبيا التجاري الأكبرَ.
 
على أية حال، في منتصفِ السبعيناتِ  وأثناء حرب إثيوبيا مع إرتريا كَانتْ الأوضاع تَسِيرُ بشكل سيئ ، وإثيوبيا كَانتْ نفسها في مرحلة إنتشار مجاعة مُدَمّرة وأزمة سياسية رئيسية. في نفس الوقت، كانت أهميته قاعدة قانيو إستيشن للولايات المتّحدةِ تَهْبطُ وقاعدةُ وتُصبحُ ملغية. تحت تأثير الترنح  الذي سيطرعلى  الجمهورُ الأمريكيُ، من خسائرِ فيتنام ، والشهيةِ إلى التمرّدِ المضاد في النواحي الرئيسيةِ الأخرى، وما كان هناك ميلَ لتَجديد المعاهدةِ 25 سَنَواتِ مَع إثيوبيا عندما انتهتْ، ولا لتَزيد  نظام ( الدرق ) بالمصادر لتَصعيد حربِ إرتريا بَعْدَ أَنْ استولىَ على السلطة يالقوَّةِ، و هكذا انتهى فصل رئيسي في العلاقةِ الإثيوبية الأمريكية.
 
أغلقَ نظام الدرق القواعد الأمريكية —  وبالمناسبة كَان متوقّع أن تقوم واشنطن بإغلاقها في تدرج  — وبعد ذلك أعادَ ترتيب إثيوبيا مَع الإتحاد السوفيتي، الذي ضَخّ بلايينِ الدولاراتِ في تزويده  بالأسلحةِ الجديدةِ، التي أطالت حربَ إستقلالِ إرتريا لـ 15 سنة أخرى. على أية حال، وفي معظم المرحلةِ القادمةِ للنزاعِ، فإن الولايات المتّحدة والجزء الأكبر من الدول الأوربيَّة رَفضا دَعْم الإرتريين — ما عَدا المساعدةِ الإنسانيةِ أثناء وبعد مجاعةِ منتصفَ الثمانينات. أما  أكثر الإرتريين ما نسوا هذا أبداً .
 
بعد إعلان إرتريا إستقلالِها الرسمي في 1993، كَانتْ الولايات المتّحدة إحدى أول المعْرتفين به، وتمت  بعد ذلك أقوى علاقات ثنائية بينهما .  في ظل  نجاحِها الظاهرِ في تَجَاوُز الإنقساماتِ العرقيةِ والدينيةِ، وتسجيلها مستوياته منخفضة جداً مِنْ الفسادِ والجريمةِ وتكريسِها جهدها  إلى التطويرِ المعتمد على النفسِ، إرتريا كَانتْ شريكاً جذّاباً في أفريقيا ما بَعْدَ الحرب الباردة. وصعود الأصولية الإسلاميةِ في السودان صعّدَ الحافزَ الأمريكيَ لهذا، وفجأة كَانتْ إرتريا تَستضيفُ متصدري جدول  قادة الجيشِ الأمريكيِ والزعماءِ المدنيينِ، وضمنهم  ذلك السيدة الأولى هيلاري كلنتون، بين أعوام 1994 و2001، أعطتْ الولايات المتّحدةَ إرتريا 8$ مليون في مجال المساعدة العسكريةِ والتدريب، كما ان  الرّئيس كلنتون لقّبَها بـ " دولة المجابهة" في المعركةِ لإحتِواء الإرهابِ الإسلاميِ .
 
لكن وبصورة مفاجئة إن مركزية إرتريا للسياسة الأمريكيةِ إنخفضتْ بالتغييرِ في الإستراتيجيةِ الإقليميةِ تحت الرّئيسِ بوش، التي إستثمرتْ إدارتَه بشدّة في محاولة لكي ينهي شمالَ السودان - حرب أهلية جنوبية، مع ذلك العلاقات كَانتْ تَنزلقُ منذ يونيو/حزيرانِ 1998 بَعْدَ أَنْ اندلعتْ الحربَ ثانيةً مَع إثيوبيا، إدارة كلنتن أرادتْ التَوَسُّط ووَجدتْ نفسها رفضتْ مِن قِبل إسياس ، الذي لا يلتزمَ بقواعدِ دبلوماسيةِ مقبولةِ. كما إن جُهد الوساطةِ الأمريكيِة اإنتهى في الفشلِ، ما جعل العلاقة تبرد  بثبات. والأسوء مِن البرود — هو ما كَانَ بدء إرتريا بلَوْم الولايات المتّحدة على قيام إثيوبيا على السيطرة على مواقعِ حدودية  لإرتريا ، وأيضا للدعم الذي يبديه مؤيديها الذين يُجادلونَ لإستمرارية المساعدة الأمريكيةِ إلى إثيوبيا التي كَانتْ تَقُودُ كامل الحربِ، وبعد تَوقّفتْ القتال ، كانت وكالة المخابرات المركزية مسؤولة عن الجوقةِ المتصاعدةِ للمعارضةِ ضد إسياس في الداخل.
 
النقد الأمريكي لقمعِ إسياس الوحشي في 2001 كَانَ عِنْدَهُ تأثيرُ في إثارة شْحنُ إرتري إعتبرالولايات المتّحدةَ كَانتْ وراء المعارضةَ في المركز الأول وقبل  الإتحادِ الأوربي في العلاقة  بأولئك المُعْتَقلِين . وكذلك فشل الولايات المتّحدةِ في رفع درجة ضغطها لإجْبار إثيوبيا لقُبُول قرار لجنةِ التحكم في الخلاف الحدودي والصادر في  أبريل/نيسان 2002 أَخذ هذه العلاقاتِ إلى مستوى واطئ جديد، أسمرا لامتْ واشنطن على تَدليل أديس أبابا بدلاً مِنْ ضَغْطها لإظهار الليونة. رغم ذلك، في 2003، زوّدتْ الولايات المتّحدةَ إرتريا بمبلغ 71.6$ مليون من المساعدات الإنسانية، وتضمن ذلك 65$ مليون في المعونة الغذائية، و3.36$ مليون في دعمِ اللاجئين ، و10.16$ مليون في مساعدةِ برامج التطوير.
 
لا شيء من هذا جَعلَ أيّ إختلاف في طبيعة  العلاقة  أَو في معالجةِ نهج إرتريا تجاه مواطنيها، الذي بان بثبات أكثر قسرية بالطبع في العقد التالي، أَو في سلوكِ إرتريا الإقليمي، الذي أصبحَ حربياً أكثر فأكثر من أي وقت مضى.
 
هذا الحديث مأخوذ من فصلِ في كتابِ قادم بعنوان " علاقات إريريا الإقليمية "  وسندخل إلى العلاقة أثناء سنوات بوش بقليل من التفصيل ، لآجل الإيجاز ولأني أجزم إن معظمكم الف ذلك ، ماعدا ذكر النقطة المنخفضة التي بلغتها هذه العلاقات في السنتين الأخريتين لهذه الإدارة ، حيث تصاعدت الحرب الكلامية بثبات ، وتَحرّكتْ الولايات المتّحدةَ أقرب إلى إثيوبيا، وعمّقتْ أرتريا تدخّلها في المجموعات الإسلاميةِ  بالصومال وبمجموعاتِ المعارضة الإثيوبية المُسلَّحةِ، بشكل خاص ، ولَيسَ فقط جبهةَ تحريرِ ارومو (Oromo) ولكن جبهة تحريرِ  أوغادن (Ogaden) الوطنية. القلق الأمريكي على هذا التعَمَّقِ وإرتفاعِ عمل القواتِ الإسلاميةِ في الصومال أدّى إلى العمل العسكري الأمريكيِ المباشرِ ووجّه إلى القاعدةِ هناك ، لكنه مرتبطَ في العقولِ الإرتريةِ والصوماليةِ بتدخّلِ إثيوبيا في ذلك البلد .
 
وجاء تهديد  مساعد وزير الخارجية الإمريكي  السيدة جينداي فرايزر عام 2007  بإضافة إرتريا إلى القائمةِ الأمريكيةِ للبلدانِ الراعية للإرهابَ، والذي يترتب عليه تشكيلة واسعة من القيودِ والعقوباتِ، مما أثارت تلك التهديدات غضب واسع الإنتشارَ بين الأرتريين في الولايات المتّحدةِ ، وفي الداخل أو الخارج، حيث اعتقد الكثيرِين منهم  إن الولايات المتّحدة تحيك  مؤامرة إثيوبية ضدّهم.
 
نحو سياسة أمريكية وأوروبية جديدة
 
اليوم، الولايات المتّحدة والإتحاد الأوربي لديهما ثلاثة خيارات عملية ضمن خيارات واسعة لهيكلة سياسة تقارب مع إرتريا  :
 
•  عزلة وإحتواء، نوي  تحديد قدرةِ إرتريا لإحْداث ضرر في المنطقةِ بينما تَعْصرُها خلال  فرض شبكة العقوباتِ عليها بثبات — تقريباً الذي أنهتْ به إدارة بوشَ تعاملها معها.
 
•  بناء إرتباطِ محدودِ، ينوى إنْقاذ النواحي الإيجابيةِ  المتوفرةِ، بينما  تتبنى تغييرات متزايدة مُشَجّعة في سلوكِها تجاه الإستقرار في المنطقةَ —  كما يَعْملُ  الإتحاد الأوربي ، بنجاحِ بارزِ إلى حدٍّ ما تقريباً.
 
•  أَو الإنتقال إلى نظامِ  يقود  ويضمن عودة إرتريا إلى حظيرة الدول الديمقراطية .
 
كما قُلتُ، من قبل  بَدأتْ إدارة بوشُ بالثانيةِ، بالنقطة الأولى، بَعْدَ أَنْ استنتجَ كبار فيها المسؤولين بأنّه كَانَ من المستحيلَ التَأثير على سلوكِ إسياس، لأنه كَانَ بليدَ جداً وبصورة شخصية تجاه التَغْيير. وبسبب غيابَ بديل فعّال فإن الإنتقالِ النظامِ أمر مُستبعدَ فيه، لذا إدارة بوش أرادتْ عَزْل وإحتِواء إرتريا. ورغم حسن هذه العملية ومظهرها مقارنة بصورة الأزمات المستمرة في الصومال وجيبوتي ، لكن بات واضحاً انها تثير إحباطاً وتشدقاً ذي بعد شخصي في واشنطن أكثر مما تثير تشدقاً في أسمرا. ضد هذه الخلفية الكئيبة فإن كل من إدارة أوباما والحاجة الأوربية لتقييم الوضع توصلا إلى عدم جدواها.
 
عموما من  الضروريُ التَذْكير بأن إسياس ولا نظامه ليس في مقدورهما  التحمّلَ إلى الأبد، سواء أن  سَيُغيّرُ شخصَه وإن بدى أمر جانبي ( لَنْ يحدث)؛ أو بكَيفَية  تضعفُ قبضتَه على القوَّةِ الغير مُراقبةِ التي هي الوسيلة الرئيسيةُ في حكمه . سوية مَع كَيفَ ييَقوّى أولئك الذين سَيَخلفونه — بتَبنّي ثقافة أساسها حقوق الإنسان والديمقراطية بينهم ، لذا النظام القادم لَيسَ أسوأَ في كلتا المسألتين الأساسيتين وهما شروط حقوقِ الإنسان ، وكذلك مِنْ وجهةِ نظر مساهمتِه إلى عدمِ الإستقرار الإقليميِ، بينما هو أيضا من الممكن ظهور حالة فوضى هائلة في إرتريا في حالة حدوث تغيير. وسَتَكُونُ الحالةَ هذه عموماً تؤدي إلى  أفقار القاعدةَ الإستبداديةَ في البيئةَ السياسيةَ كليَّاً وتمَنع ظهورَ الوريث الفعّالِ، في كل  خصوصية الواقع الحالي في إرتريا.
 
على أقل تقدير، على السياسة الأمريكية والأوربية يَجِبُ أَنْ تَدْعمَ قواتَ ديمقراطيةَ مسنودة من خارج البلادِ ، ولكن هامِّ أيضا وجود دعمِ مخفيِ بشكل كبير في الداخل، لمعادلةِ نهائيةِ لميزان القوَّةِ ، وللتأثيرعلى ذلك في ميدان سياسي مفتوح أكثر، مَع أَو بدون إسياس.  إذ أن النظام في هذه الأثناء، يَتحمّلُ وضع موقعه بالإدِّعاء بعدم وجود أي مهدد له في إشارة إلى ضعفِ المعارضةِ ، بينما يَبقي  السكانَ مَعْزُولين بقدر الإمكان مِنْ مصادرِ المعلومات والبديل المنظورِ. وهذا هو بالضبط المطلوب لممارسة مجموعةِ مِنْ التهديدِ المحسوسِ والعزلةِ الفعليةِ الذيين يَحتاجهما الإنتباه والعملَ إذا تُريدُ فَتْح البابِ على الأقل للتَغْيير في إرتريا — أمّا خلال  متغيرات في  داخل النظامِ،  أَو من خلال إعادة ظهورِ الضغطِ على النظام القائمِ مِنْ السكانِ الإرتريِين في الداخل أو الخارج .
 
إزالة قضيةِ الحدودَ وتُحطّمُ عزلةَ إرتريا الداخلية التي تشبه كوريا الشمالية لتسبّب المفاتيحَ هذه. بدون هذا الإستثمارِ في الكتل الكبيرة للتغييرِ، فإن مستقبل إرتريا سَيُعرفُ زيَاْدَة في العنفِ السياسيِ الموجه نحو السكانِ هناك ، وإلى جيرانِه من ناحية الأخرى ، إنهيار  المركز هناك  في غياب وجود معارضة ديمقراطية وفعّالة استعدّتْ لمَلْئ الفراغِ يُمْكِنُ أَنْ يَدْفعَ البلادَ إلى حرب أهليةِ أَو الفوضى ،  بينما يُخطّطُ وتحت السطحِ بشكل هام ومعيب وكاذب  لصراعات -عرقية ودينية وإقليمية، وشخصية وسياسية وأيضاً. الذي يقالَ بأنّ المعارضةَ المنقسمة بشدّةَ، هو حقيقيُ أيضاً،والتي تضمّ أكثر مِنْ دزينة أطرافِ أَو جبهاتِ مُتمايّزةِ، تشكيلات مجتمع مدني عديدةِ في الشتاتِ وسريةِ في الداخل ، لكن إن هذه  القوى الغير منظّمةَ بشكل كبير في إرتريا، غير جاهزة لتَتقتدُّم اليوم أكثر مما  كَانَ وضع المعارضةَ العراقيةَ في عام 2003.
 
تحت هذه الظروفِ المُريعةِ بالأحرى ترقية معارضة متماسكة تبنى على المبادئِ الديمقراطيةِ وملتزمة بها عرّفا بشكل واضح، الإنتقال المستقرّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أولوية عالية للولايات المتّحدةِ والإتحاد الأوربي، مهما طال المدى الذي يَأْخذُه ذلك  للتَطوير، وعلى أية حال أثر ذلك قَدْ يَظْهر، إذا اقترن ذلك  بجُهودَ كبيرةَ وثابتةَ لزيَاْدَة تدفقِ الأخبارِ والمعلوماتِ إلى البلادِ، لكَسْر حالةَ الإحتكارِ الحاليَ. إسْراع عملية كهذه  أَو صَعِوبة السَيْطَرَة عليها، سَتكون خطأ فظيع، في ظل وجود من يُجسّدُ شقوقَ حاليةَ تحت واجهة الوحدةِ الورقيةِ. لكن هناك طرق عديدة لإبْداء الإلتزامِ بالتعددية السياسةِ والحزبَية في إرتريا ، والتَرويج لإنتقال سلمي يتيح  مسافة للإرتريين للإنجاز .
 
الدعم المباشر لأي واحد من التحالفاتِ أو أطرافِ أَو منظمات غير حكوميةِ في المعارضةِ تثيرُ الإنقساماتَ بدلاً مِنْ شَفَائهم عنها، بذم بعضهم  كأدوات  للقوى الأجنبيةِ ، ويتنمي المنافسةَ والإنقسامَ بينهم أكثرَ. وعموماً إن المؤتمرات التي تروّجُ للحوارِ بينهم ، والتدعيم المُحَسَّن جداً لمواقع الشبكة الإلكتورنية والإذاعات ، وإسناد أجهزةَ الإعلام التي تنْقل الأخبارَ والمعلوماتَ إلى إرتريا تقدّمُ مساهماتَ مطلوبة بشدّةَ  لتطويرِ المعارضة المُنظَّمة ، وكذا ثقافتهم السياسية.

إنّ المتطلبَ الأولَ  لتحرّك بسيط نحو إنتقال ديمقراطي مستقبلي أَنْ يخطّطَ وضع المعارضةَ الحاليةَ. هذا يَبْدأُ بالتحالفِ الديمقراطيِ الإرتريِ ، وهو إتّحاد مُعَرَّف بشكل طليق لمجموعاتِ التوجيهِ الأيديولوجيِ المختلفِ جداً، حجم وتماسك داخلي، البعض الذين يُفضّلونَ عنفاً، وبعضهم  يَتْركونه. يَتراوحُ بين أعضاء ديمقراطيين علمانيينِ ينتموا إلى أحزاب سياسية غير مسلّحةِ، مثل الحزب الديمقراطي الإرتريِ وحزب الشعب  الإرتريِ — الآن في محادثاتِ الإندماجِ بينهما — إلى حركاتِ دينيةِ وعرقيةِ مُسلَّحةِ مثل الحزبِ الإسلاميِ للعدالةِ والتنمية،ِ والحركةِ الديمقراطيةِ لتحريرِ  كوناما إرتريا، مَع طيف كامل بينهم. على أية حال، ان أحدهم قد يكون مقيت و آخر مقرب إليك، هم جميعاً مَنْ الضَّرُوري أَنْ يُتضمّنوا في توزيع جديد، أَو سَيَفْعلونَ كمخرّبين من الخارج. لكن هناك العديد مِنْ الإرتريين الذين يَشْكّونَ في هذه الأطرافِ، التي أغلبها تحت قيادة أناسِ ممن تقاتلوا بَينهم للسَيْطَرَة على الحركةِ الوطنيةِ منذ الستّيناتِ والسبعيناتِ.
 
الجيل الأصغر، وعديدهم مِمن قضى وقتا كبيرا خارج إرتريا بين مجتمعات ديمقراطية مجرّبة بصورة مباشرة، رَفضَ الإِنْضِمام إلى مؤسسات التحالف الديمقراطي الإرتري الفرعيةِ، وهي أعدادِ هامّة، يُركّزُ بدلاً مِن ذلك على بناء منظماتِ مجتمعية ومنظمات حقوقِ الإنسان غير حكوميةِ. هذا الإتجاهِ أيضاً مَنْ الضَّرُوري أَنْ يُخطّطَ ويُعتَبرَ عنصر مكمّلَ مِنْ البديلِ الصاعدِ.
 
في هذه الأثناء، الولايات المتّحدة والإتحاد الأوروبي في حاجة لوَضْع أهدافِ للقرنِ الأفريقي ككل ، وأن يَتّبعانِ سياسات نحو إرتريا تَنْشأُ عنها، ومتّسقة معهم، بدلاً مِنْ رَدّ تدريجيِ على مشاكلِ وفرصِ في كُلّ بلد على حده . إستراتيجية فعّالة تمَنْع أي واحد منهم مِنْ أن يصبحُ ملجأ للإرهابيين، على سبيل المثال، يَطْلبُ تنسيقَ أقربَ بينهم جميعاً . كما يَعمَلُ إستراتيجية تَرويج للتنمية الإقتصاديةِ لتَقْوِية الحصةِ المشتركةِ بين هذه البلدانِ والسكان بسلام وإستقرار بينهم. حتى تتشابكُ هذه الولاياتِ لتَعمَلُ أيضاً ما فوق ذلك بينها .
 
مثل هذه الإستراتيجيةِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مستندة على فض النزاعاتِ، وترويج للديمقراطيةِ ، وبدون أَيّ تعاونِ بين الولاياتِ ِ يستحيلُ الإستمرار في تحطيم التهديدات الإرهابية المتصاعدة . لَكنَّه لَها أيضاً أَنْ تتضمّنَ بناء  تحتي إقليميِ يُروّجُ للتجارةِ ويُتاجرُ بين هذه الولاياتِ، ليس فقط في الوقت الحاضر مع من  نُفضّله سياسياً نحن. علَنا بوَضْع مثل هذا الموقفِ نساعدُ سكان المنطقةِ في عَزْل أولئك الذين جناحوا في الطريق ، وتسهل  الحوافزَ والعقوباتَ المُرتَبطةَ
معاً لتقدّم أهدافِ السياسةِ.
 
الترابط بين الخلاف الحدودي والديمقرطيةِ -  يَرْفع أحدها كي يُروّج للآخر -  بصورة حرجة. الولايات المتّحدة والإتحاد الأوربي يَجِبُ أَنْ يَتحرّكا بشدّة لإنْهاء المجابهةِ بين إرتريا وإثيوبيا. لا يُمْكِنُ لأهدافَ أخرى أَنْ تتعاملَ معها عملياً حتى تُنْزَعُ هذه القضيةِ المنضدةَ. لكن الولايات المتّحدةَ والإتحاد الأوربي يَجِبُ أَنْ لا يَتصرّفا بناء على هذا في العزلةِ مِنْ الأهدافِ الأخرى، وأنت سوف لَنْ تَضْمنَ تعاونَ إثيوبيا إذا تحاولُ عَمَل ذلك. في الحقيقة، يُوضحُ إن الإلتزامَ  بالديمقراطيةِ والإحترامِ المدنيِ وحقوقِ إنسان في إرتريا مفتاح أساسيِ لرِبْح إتفاقيةِ إثيوبيا لحَلّ الخلاف الحدودي لأن ذلك يُخاطبُ العزلَ المُتزايدَ بين السكانِ الإرتريِين، وهو يُحرّرهم لإعادة تركيزهم على جدولِ أعمالهم السياسيِ الخاصِ. تَحتاجُ إثيوبيا لفَهْم هذا، والسَماح للولايات المتّحدةَ والإتحاد الأوربي لبَذْل الجُهدِ.
 
هذا يَبْدأُ بضَغْط إثيوبيا لتَطبيق نتائجِ لجنةِ الحَدود بينما هم يدّعون بأنّهم يَقبلونَ النتائِجَ مَع “ لا شروطَ. ”  وبدون تَسْييج ذلك  بحوجة إلى مفاوضاتِ أولاً بينما تنقلُ وتوَضعَ علاماتَ الحجارةَ في الرباطِ .
 
يستوجبُ عرض الحوافزِ أيضاً إلى كلا الجانبينِ للعَمَل لإنهاء مجابهتِهم ، ليس لأنها فقط تثير الشهية ، ولكن ضرورية أيضاً إلى كُلّ مِنْ دوائرهم الإنتخابيةِ. أي مبادرة جديدة يَجِبُ أَنْ تُنسّقَ أيضا مَع الإتحاد الإفريقي ،لتَقْوِية  كلا من تأثيرِه وللإشارة أيضا إلى نيةَ للعَمَل ضمن هياكلِ متعددة الأطرافِ. على  التنسيق أن يُؤكّدُ خطرَ العزلةِ الجدّيةِ لكلا الدولتينِ إذا هم يَتلكّؤونَ. لكن تلك الرسالةِ يجب أنْ تُدْعَمَ مِن قِبيل تهديد موثوق بفرض العقوباتِ بأكثر مِنْ قيمة رمزية. مجرد طلبات ودون لكمةِ لَنْ تَحْملَ أي وزنِ مَع أي من الخصم.
 
العمل المركزي للجهد الأمريكي الإوربي أن يكون لإخماد النظرة العدوانية لإرتريا وتكريس حقوق الإنسان فيها، بينما تدفع إثيوبيا لقبول نتائج لجنة ترسيم الحدود دون خداع (وضمن ذلك وضع بادمي )على أن يسترضي العالم إرتريا وإثيوبيا بالنفقة، ومخاطبة القلق الإثيوبي الرئيسي من  تفتيتها إلى دول مجهرية يحقق به إسياس إنتصاراً يزعزع به الإستقرار دون ضوابط ، كما يسعمل ذلك على تقوية وإتاحة الفرصة للشعب الإرتري لممارسة ضبط النفس .

ماعدا ذلك فإن كل تعطيل لحل الخلاف الحدودي سيعطي إسياس الفرصة لمخاطبة العالم أنه لا علاقة له به قبل حلها أولاً، والحقيقة إن هذه الحرب حول بادمي ما كان لها أن تبدأ أصلاً، فالقضية أساسها هو الصراع على السلطة في المنطقة ، ومن الزعيم المسيطر على القرن الإفريقي ، حيث وجد كلا الجانبين في مسالة بادمي إدارته للصراع ، وإزالة هذه العقبة المنضدة لن ينهي صراع السلطة الأكبر بينهما، لكنه سيعدل التضاريس لمصلحة القوى الديمقراطية في كلا البلدين . 
 

يجب على الولايات المتّحدة والإتحاد الأوربي  أَنْ يَعطيا حوافز مادية من أجل العملِ على هذا ،  ويُعرّفانِ بسلسلة العقوباتِ المتزايدةِ بشكل تدريجي لمَنْعهما . هذه الفرصِ والعقوباتِ يَجِبُ أَنْ تنشَر على نحو واسع بقدر بين سكانِ  كلتا الولايتين، من خلال القنوات الدبلوماسيةِ وأجهزةِ الإعلام العالميةِ، لتَوليد الضغطِ مِنْ الأسفل للمُوَافَقَة على تسوية، والولايات المتّحدة والإتحاد الأوربي يَجِبُ أَنْ يُزوّدا مساعدةَ إلى أجهزةِ الإعلام البديلةِ الموجهة نحو إرتريا من الخارج البلاد  لتَوسيع وصولِ مثل هذه المعلوماتِ إلى السكانِ.
 
التَرويج لميدان سياسي ديمقراطيَ مفتوح في إرتريا  يقُوم فيها سيكون أقل باعث للتهديداتِ الإرهابيةِ وأقل تهديد إلى إثيوبيا وآخرون مِنْ جيرانِها، إرتريا يَجِبُ أَنْ تُضْغَطَ فورالتَطبيق الدستور الذي صدّقَ في 1997، وتطبيق كُلّ قوانينه ويُصدرُ عفو أَو يُحاكمُ كُلّ السجناء السياسيون، وضمن ذلك الأعضاء الباقون على قيد الحياةِ لمجموعة الـ15 الإصلاحية الذين سَجنوا في 2001، بالإضافة إلى مِئاتِ الشبابِ قيد معتقلات النظامِ َ وإطلاقه مِنْ التجنيدِ الغير محددِ. يَجِبُ على إرتريا أيضاً أَنْ تُضْغَطَ لمَنْح العفو إلى حركاتِ المعارضةِ الموجودة خارج البلادِ، ويَسْمحُ لهم بالعودة لتَرْك العنفِ والتنَافُس على ساحة لعب مستاوية مَع الحزب الحاكم، كما يَجِبُ أَنْ تدْفَعَ للسَماح لإعادة المؤسسِات المستقلة ، أجهزة إعلام مستقلة، ويتضمن ذلك حرية الإرسال والنشر وتطوير وسائله ، بالإضافة إلى  الحمايةِ القانونيةِ لكُلّ المجموعات الدينية في البلاد ، وتأْخذُ إجراء قضائي عاجلَ ضدّ أولئك الذين يُهاجمونَ أعضاء معتقداتِ الأقليةِ. كُلّ هذا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ جزءَ محاولة لكي يَضِعُ الأساسَ لممارسة إنتخابات حرة ونزيهة ، وتراقب وطنياً وعالمياً.
 
ومع إنه من غير المحتمل جداً إن حكومةُ إرتريا سَتَتصرّفُ لتبني  مثل هذه الإصلاحاتِ طالما هي برئاسة إسياس، فإن دعم أوروبي وأمريكي ومُنسّق وقوي لهذه الإجراءاتِ -  إذا مُا وصَلت  إلى شعبِ إرتريا -  سَيَقوّي القوى الديمقراطيةَ داخل البلادِ وفي الشتاتِ الذين يُفضّلُ نشر برنامجِهم المشتركِ ليَعطي شعبَ إرتريا فكرةَ واضحة في الحالة  التغيير الذي يَنتظر في أسمرا.
 
لكن إن السبل البديلة لحل المشاكل في إرتريا والترويج لصالحها يجب أن تكون متوفرة، وان تكون موثوقة، بدءا من إقرار حل سلمي للخلاف الحدودي الطويل الأمد مع إثيوبيا، إذ من يستطيع لوم الإرتريين في شكهم في حسن نية المجموعة الدولية تجاه تاريخها المديد في خيانتها لهم ؟

وأجزم هنا بكل بساطة : أن لا فرصة للولايات المتحدة أو الإتحاد الأوربي سوى أن يأخذا هذه التساءلات والقضايا محمل الجد أولاً، ومن ثم الشروع في مبادرة دولية منسقة وناجحة في نهايتها، لحل النزاع الحدودي بموجب قرار لجنة ترسيم الحدود الصادر في 2002م، لينزع ذلك الغطاء السياسي عن إسياس ، وليبتني ذلك ثقة لدى الإرتريين تجاه العالم الخارجي نحو ما يحدث لهم ونحو بلادهم الحديثة.
.