تهدف الورقة إلى  :

1/ توضيح مفهوم الاثنية ونشوء الاثنيات وتطورها.

2/ شرح أوضاع الاثنيات ومسببات بروز الصراع بينها.

3/ الجبرتي والصراع .

المقدمة:

إن الدولة الارترية الحديثة التي أنشاها الاستعمار الايطالي بحدودها المعروفة دوليا نشأت من ملامح اثنية وجغرافية متمايزة فمن المرتفعات والمنخفضات الى الساحل بون شاسع في الطبيعة الجغرافية، وبالرغم من أن أصول غالبية الشعب الارتري تعود إلى العرب السبئيين الذين هاجرو بعد انهيار سد مأرب وغيرهم من العرب اللاحقين بالإضافة إلى العناصر الحامية التي استوطنت ارتريا منذ آلاف السنين ، الا أننا نجد أن التمايزات الاثنية والجغرافية والدينية لعبت دورا كبيرا في بروز الصراع على مستوى نخب الدولة الارترية،وقد كانت وحدة الشعب الارتري بجميع فئاته الاثنية والدينية نحو الاستقلال في نهايات القرن الماضي له اثر كبير في بلوغ الهدف الأكبر وهو تحقيق الاستقلال.

ولكن كان تسطير الصفحات الأخيرة للنضال من اجل الاستقلال المجيد على يد ثلة تفننت في تمزيق الشعب الارتري وأذاقته صنوف من الأذى الممنهج له الأثر الأكبر في تساؤل البعض عن ماهية الاستقلال وما هي الفائدة بالنسبة له؟!،وكان أول ضحايا هذا النظام تلك المجموعة الاثنية التي تسكن المرتفعات وطالبت بشدة بالاستقلال وانحازت لذلك المطلب ودفعت في سبيله أغلى ما تملك من خيرة أبنائها وأبرزهم أبو الشهداء عبد القادر كبيري.

لم تكن تلك المطالب من اجل الاستقلال عبثا وإنما لإدراك تلك المجموعة الاثنية أكثر من غيرها لمعنى الاستقلال ، ومعنى الانعتاق من النظام الإقطاعي الأثيوبي الذي ذاقوا الويل والتمييز والاضطهاد على يديه ، ولذلك تجد البعض كان يطالب بالانضمام الى اثيوبيا والبعض الآخر كان مع التقسيم والانضمام الى السودان ولكن كان شعار الجبرت لا تقسيم ولا انضمام انما الاستقلال .

وما ان انقشع الاستعمار وهل فجر الاستقلال سعى الطاغية إلى طمس هوية وشعب كامل جذوره ضاربة في أعماق التاريخ، وله امتدادات إقليمية متعددة ، ليجدد المعاناة بأشكال أخرى ، ولكن أليس حقا من يعترف بمن؟ أو الذين جاثمون على صدر شعبنا رغم انفه طيلة عقدين من الزمان ؟ أم الذين أسسوا لمفهوم الدولة الارترية ودفعوا الثمن في سبيل نيل الحرية؟! وشعارنا دائما ما ضاع حق وراءه مطالب ، فالحقوق التي انتهكت ليست في مجال الهوية فقط ؛ وإنما هنالك حقوقا أخرى كثيرة لا تستطيع هذه الصفحات تغطيتها ، وهنا أيضا الجبرت مثلهم مثل غيرهم من أبناء الشعب الارتري الذي يذوق الأمرين .

إن تقسيم الشعب الارتري الذي اعتمدته الجبهة الشعبية فجر الاستقلال لم يستند إلى أي أساس علمي دقيق سواء من النواحي التاريخية أو الثقافية أو الاجتماعية ، وقد رفضه الجبرت وبقوة ، وأيضا هنالك بعض الجماعات التي رفضت ذلك ، وقد كان الجبرت من اشد الرافضين له لان ذلك يعني طمس هويتهم وتاريخهم المجيد ، ليس ضمن إطار الدولة الارترية فحسب وإنما هو طمس لمبادئ التعايش والحوار التاريخي العريق الذي تأسس،  ثم على مستوى مجتمعهم الذي تميز بالتسامح والتجاوز والصفح في حالات كثيرة ، ولكن اعتقادنا أن ذلك الدمج القسري الذي تم من قبل أسياس يخدم آرائه وأفكاره السياسية وربما أيضا لأسباب أخرى لا يسع المجال هنا لذكرها .

ولكن ارتريا الوطن ليست أسياس وآرائه السياسية لوحده وإنما الوطن يعني الأرض والشعب بمكوناته الاجتماعية المختلفة التي تمثل كافة الفسيفساء العرقية وقومية الجبرت هي إحدى مكونات المجتمع الارتري الرئيسة ويسكن معظم أفرادها المرتفعات الارترية في إقليم سراي وحماسين واكلوقوزاي(كبسا).

لم يكن دقيات حسن او حجي إمام موسى او كبيري يسعوا للاستقلال عبثا ، و إنما عن وعي وإرادة ، ولم يكونوا ليحلموا انه بمجرد تحقيق الاستقلال سوف تلغى نضالاتهم ووطنيتهم  ، ولم يكونوا يناضلون من اجل قوميتهم إنما من اجل الوطن الارتري ، ذلك الحلم الذي طال انتظاره وداس عليه أسياس صاحب السلطة المتنفذة في أسمرة.

مفهوم الإثنية :

نجد أن مفهوم الاثنية مشتق من اللاتيني Ethnos تقابلها كلمة  Nationفي الانجليزية، ونلاحظ أن هنالك اختلافات كبيرة حول مفهوم الجماعة الاثنية فعلى سبيل المثال يعرفها موريس بأنها مجموعة محددة تختلف ثقافتها عن المجتمع الكبير الذي تعيش فيه، ويعتقد أفرادها أو يعتقد الآخرون أنهم يرتبطون بأواصر عرقية أو وطنية أو ثقافية مشتركة، بينما يعرفها البعض بأنها تجمع بشري يشترك في بعض المقومات مثل وحدة الأصل أو اللغة أو الدين أو التاريخ او غيرها من المقومات الثقافية.

حدد بعض علماء الاجتماع أربع سمات أساسية للمجموعة العرقية تتمثل في الانتماء المشترك والذي يشكل عاملا هاما في تكوين الجماعة من خلال التاريخ الطويل المشترك لأعضاء الجماعة، والتفرد الثقافي والمتمثل في اللغة والدين والعادات والتقاليد، والعضوية الإجبارية بمعنى انه لا خيار للفرد في الانتماء إلى مجموعة اثنيه محددة حسب رغبته وإنما يحصل على عضويته في الجماعة بحسب المولد، كذلك من المميزات الأساسية للمجموعة العرقية الهوية حيث تتركز المجموعة الاثنية عادة في إقليم معين داخل وحدة سياسية اكبر، والمجتمع الجبرتي يشترك في مقومات عديدة منها اللغة والدين والتاريخ المشترك والأرض التي يعيش عليها فالعضوية الإجبارية تعني انه لا خيار للجبرتي أن يكون تيغري أو ساهو أو بلين أو غيرها من الاثنيات الارترية إنما ولد جبرتيا وسيعيش جبرتيا وسيموت جبرتيا وربي ابعثني مع الجبر حين يبعثون كما قال ذلك الأستاذ محمود لوبينت.

ونجد أن أهمية هذه العناصر تتفاوت من مجتمع لآخر ومن جماعة اثنيه لأخرى فهنالك بعض الجماعات التي تهتم بموضوع الدين مثل الأقباط في مصر، وبعضها يكتسب الجانب العرقي أهميته كمجتمع نيجيريا، وبعضها تظهر اللغة فيه بصورة كبيرة مثل الأكراد في الدول المختلفة التي يتواجدون فيها.

ونجد أن البعض عرف الاثنية على أنها "السلالة أو العرق" مثل عزمي خليفة وإيليا حريق بينما يرى آخرون فرقا بين العرقية والاثنية، فالأولى من العرق(الجذر) الذي تنحدر منه الجماعة وبالتالي فان الجماعة العرقية ترتبط فيما بينها برابطة القرابة والدم حيث ينحدر أفرادها من أصل واحد،أما الجماعة الاثنية فتعني العوامل العرقية والثقافية من اشتراك في سمات ثقافية معينة تميزهم عن غيرهم من الجماعات التي تشاركهم الوطن وان لم ينحدروا من أصل عرقي واحد.

الثقافة كمحدد للمجموعات الإثنية :

كلمة الثقافة يقصد بها " جملة التصورات والمبادئ التي تنظم مختلف أوجه الحياة شعوريا ، وكذلك جملة المعايير الموجبة أو السالبة ، والقيم المرتبطة بطرق التصوف والتفكير" وهي تدلل عما شكله لا شعوريا الأفراد والجماعات الذين يسعي كل منهم وراء أهدافه المتميزة ويتوصل هؤلآء باللقاءات عبر العمل ، إلي اتفاق أدني حول جملة قيم .وليست ثقافة مجموعة ما معطي جامدا ولامجرد "بناء " يستعصي على الأخذ والعطاء وهي آخذة في التطور والاكتساب من الآخر.

وبالعودة إلي تفكيك مدلول الاثنية نجد انها وقبل كل شيئ " مقولة صعود يتوقف استمرارها على الإبقاء علي حدود متحركة ، غير مستقرة تصونها المجموعة لتبني هويتها وتفاوض عليها وتعيد إنتاجها أي أنها على تقعيد متجدد ومستمر للفروق الثقافية بين المجموعات المتجاورة (ما يحافظ علي هويتها المستقلة ) ،وهكذا فإن الثقافات ليست كيانات ،بل تجمعات وكل فرد يستطيع ان يبتعد ابتعادا متفاوتا حسبما يراه.

نخلص من التعريفين " أن المجموعات الاثنية والثقافات تشكلان مجالات متميزة نسبيا عن تكامل القيمة ، والإنقطاع بين المجالات يشكل حدود الاثنية . فيجب إذن تثبيت الانتماء الاثني بفعالية رمزية كثيفة ، وعند نسب فرد أو مجموعة إلى اثنية لابد ان يتم التصنيف بموجب أكثر هوياته أساسية وأعمها الهوية التي يفترض كونها محددة بأصله وماضيه ومشاعره ، وبقدر ما يستعمله الفرد من هويات أثنية في مقابل هوية الآخرين بغرض إنشاء تفاعلات اجتماعية مع محيطه الجغرافي والسياسي .

قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ).(سورة الحجرات).

 

اللغة كمحدد للمجموعة الإثنية:

هنالك تساؤل مهم يتعلق بنشوء المجموعات البشرية ، هو من الأول الإنسان أم اللغة؟ هل وجدت اللغة قبل الإنسان أم العكس؟ بالتأكيد الأول هو الإنسان الذي اخترع اللغة،واللغة في التعريف هي أداة للتواصل والتفاهم بين بني البشر ولولا المجموعات البشرية المختلفة لما وجدت اللغات المتعددة،وربما نجد بعض المجموعات البشرية تخلت عن لغاتها الأصلية واكتسبت لغات ولهجات أخرى فيما يعرف بعملية التماثل الثقافي ونموذج بوتقة الانصهار الإرادية بفعل العوامل التاريخية والثقافية والاجتماعية،فمسالة اللغة والأصول الواحدة فيها تباينات عديدة ،فكم من شعوب أصولها واحدة ولكنها تتحدث لغات متعددة،فشعوب الانجلو ساكسون تتحدث الانجليزية والألمانية والهولندية وغيرها،والشعوب الاسكندنافية تتحدث اللغة السويدية والنرويجية والدنماركية والشعوب اللاتينية تتحدث اليونانية والاسبانية والبرتغالية والفرنسية والايطالية وهكذا،وبالمقابل أيضا ليس من يتحدثون لغة واحدة يتم تصنيفهم على أنهم مجموعة اثنيه واحدة ، ونحن لا ندعي أن كل الشعب الجبرتي أصله واحد ويتفرع من شجرة واحدة ولكن كان يعرف بهذا الاسم كمجموعة بشرية وسيظل بهذا الاسم كمجموعة بشرية .

فاعتماد الجبهة الشعبية على عنصر اللغة في تعريف المجموعة البشرية فيه تجاوز للمنطق والقانون والغريب في الأمر انه عند تعريف الشعب الارتري في وثيقة نحنان علامانان ذكر الجبرت باعتبارهم إحدى مكونات الشعب الارتري ويتحدثون التجرنجة ويسكنون المرتفعات ، ولكن ما أن حل الاستقلال كان التنكر لهم أولا وسعى لإلغائهم ودمجهم ، وهنا أيضا نتساءل هل كان هنالك تجمع بشري يسمى التجرنجة قبل الاستقلال؟هل كان في الاربعينات هذا الاسم موجودا كمجموعة بشرية تعرف به ؟ وحتى التجرنجة كلغة حديثة مشتقة من الجئزية وكانت تكتب من اليمين الى اليسار الى قدوم أبونا سلامة (أبناء يافيت) وتم تغييرها من اليسار الى اليمين،والتيغرايت اقرب للجئزية من التجرنجة  ، و التجرنجة تعني لغة التجار ونتساءل بدورنا من كانوا تجار الحبشة عبر التاريخ؟ وبماذا كان يعرف النصارى قبل اشتقاق اللغة التجرنجية ؟

ارتبط  المسمى الحديث بأسياس لهضم حقوق الجبرت ولإيجاد قاعدة من العملاء السياسيين والاجتماعيين على أساس اثني، والمعيب أن التنظيمات الارترية أخذت على عاتقها تكرار ما يقوله أسياس وهذا من ضمن احد اكبر الأخطاء والإجحاف في حق الجبرت من قبل الجميع فالغالبية لم تقف معهم فجر الاستقلال ، ونما احساس بالخيانة والنكران . لذلك حدثت الهزة الاجتماعية  والنفسية التي خلقت حاجزا نفسيا تجاه الجميع مسلمين ونصاري ، و نعتقد جازمين أن أسياس احتاجها لإيجاد تغطية لخططه وأهوائه وربما لاغراض اخرى يعلمها هو، ولكن خططه يجب أن ينفذها في عالمه وليس ارتريا، فالوطن الارتري للجميع وليس لعصابة أسياس وأشباهه.

والمثير للجدل ان واقع بعض المجموعات الاثنية لم تنسب الى لغاتها وانما ظلت كما هي ، مثل الرشايدة يتحدثون العربية ،لماذا لم يسمو القومية العربية ؟ !وأيضا البداويت التي يتحدثها الهدندوة وتم تسميتهم بالحدارب ، لماذا لم ينسبوا الى لغتهم؟!. لذلك يجب على الجميع التخلص وعدم السكوت علي مثل هذه الارجاس والخطط الشريرة حتى لا تضر بالشعب الارتري .

اما على مستوى دول الاقليم تجدر الإشارة إلا أن الحدود الجغرافية لانتشار المجموعات اللغوية في الشرق الأوسط وشرق افريقيا وشماله قد عدلت باستمرار على طول تاريخها ، مع تغيرات ملحوظة جدا حتي خلال فترات تاريخية قصيرة نسبيا طغت فيها اللغة العربية على عشر اليابسة ، وتجاوزت اللغة التركية حدودها الجغرافية لتمتد حاليا من شبه جزيرة البلقان إلي شمال شرق سيبيريا .

إذن نظام التصنيف اللغوي للاثنيات بعيد عن الكمال ولا يمكن اعتماده إلا بالتراضي والاتفاق ، لأنه لا يأخذ دائما بعين الاعتبار مسألتا الازدواجية اللغوية والانتقال التدريجي من لغة إلي أخرى اللتان أمكن لبعض الاثنيات أن تعرفهما . مع تأكيدنا الي امكانية تطبيقه في ظل ظروف طبيعية وفي حال تم تدعيمها برمزية كثيفة تأكد القرابة الثقافية والتاريخية والدينية ووحدة المصير ،وحيث يبقي شعور ثابت بالهوية على الرغم من تفسير اللغة .

العادات والتقاليد :

فيما يخص العادات والتقاليد ، فالعادة أو التقليد قد تبدأ من فرد أو جماعة صغيرة وبعده يتبع الجميع تلك العادات ويقلدونها،وتعتبر العادة سلوك اجتماعي يقوم به فرد أو جماعة ومن ثم تتوسع إلى أن يتبع الغالبية العظمى من أفراد المجتمع المعين ومن ثم يتم توارثه عبر الأجيال ويصبح بذلك تقاليد وعادات.

وهذا السلوك الاجتماعي يتميز به فرد أو مجموعة عن سائر الأفراد والمجموعات الأخرى وهي متكررة،وهذه العادات تتحول الى تقاليد مع اتباع الأفراد والمجموعات لهذه العادات ويتوارثونها جيلا عن جيل فتصبح تقليدا،وان عدنا إلى مصدر هذه العادات وظروف وأسباب نشأتها ربما يكون مصدرها فردا او جماعة وظروفها ربما تكون الجغرافيا او بسبب الدين او غيره من المؤثرات التي تؤثر على تشكيل سلوك الأفراد والجماعات،ولكن الثابت أن العادات والتقاليد هي مكتسبة وليست الأصل في بني البشر فالإنسان وجد قبل أن توجد العادات والتقاليد وبعض العادات تم اختراعها بسبب حاجات بني البشر،فشعب الاسكيمو في كندا وشعب السومر في السويد والنرويج وفنلندا وروسيا يخترعون وسائل ويتبعون أنماط حياة تتواءم مع وضعهم الجغرافي والاجتماعي الذي يتميز بالبرودة العالية،وايضا سكان المنخفضات الارترية يتبعون أنماط حياة وتقاليد تتواءم مع وضعهم وهي في غالبها متقاربة،اما سكان الهضبة الارترية فايضا يتبعون عادات وتقاليد وأنماط حياة متقاربة وكذا المجموعات البشرية في شتى أصقاع الأرض فالحياة جماعية وليست فردية ويغلب عليها طابع التجاور والتعاون والأنظمة الاجتماعية لها سلطة كبيرة على مجتمعاتها والإنسان كائن اجتماعي بطبعه ولا يعيش في سرداب منعزل عن الآخرين إنما يتفاعل بالأخذ والعطاء مع الآخرين، فربما عادات وسلوك بعض المجموعات البشرية تخلت عنها واكتسبت عادات أخرى نتيجة للتأثر بالبيئة المحيطة.

اما الثقافة فتقاس بعنصرين هما العادات والتقاليد ،أي ثقافة لا تعتمد على الفلكلور لوحده وانما ايضا مراسيم الزواج ، والدفن والعزاء وغيرها ، دائما ما يجمع الناس هو الآلام وليس الأفراح ،الأفراح تنسى والآلام تكون راسخة في الأذهان ولفترات طويلة وتساهم كثيرا في تشكيل الوجدان وأيضا في السلوك.

ارتبط تاريخ  الجبرت بالإسلام الذي ارتبط في القرون الأخيرة وبعد تمكن الغرب من فتنة الاحباش بالصراع مع الأحباش ، ارتبط بالمعاناة والاضطهاد على يد السلطات الاقطاعية الكنسية المتعاقبة ، حيث اقيمت حملات كنسية منتظمة استهدفت الهضبة بشكل عام و الجبرت على وجه الخصوص ، كان آخرها الامبراطور يوهنس الذي جال وصال معظم مناطق ارتريا الحالية ومناطق  الجبرت على وجه الخصوص ، لذلك اوجد هذا التاريخ الملئ بالمعاناة للجبرت أخلاقا فريدة تختلف عن عامة المجتمع الارتري مسلميه ومسيحيه .

أخلاق الجبرت :

إن الجبرتي تربى على العزة والكرامة والتسامح لا الخنوع ولا الاستسلام فهم يعلمون أن الكثيرون قد خذلوهم  ،ولكنهم صامدون صابرون حفاظا علي سلامة الوطن ودائما ما يدفع العاقل ثمن الخير والشر .

هذه الحملات التنصيرية أيضا أوجدت بعدا نفسيا من السلطات الإقطاعية لذلك يرفضوا أن ينضموا مع النصارى ولا يمكن تجاوز ذلك التاريخ ، لان الجبرت تعرضوا للتنصير الشديد لمحاولة إلغائهم ، ولكنهم صبروا، محاولات التنصير تلك لا نحملها للواقع الحالي وإنما هي حقائق تاريخية لا نتحملها نحن أو الجيل الحالي وإنما هي في كتب التاريخ التي تحمل تلك المعاناة وذلك الاضطهاد الذي لم نكن ضحاياه ولا شهوده ، وبالمقابل فقد تعايشنا مع المجتمع النصراني باحترام وتقدير متبادل ربما يفوق تصورات الآخرين .

أوضاع الاثنيات:

توجد الاثنيات في أوضاع عديدة من حيث موقعها المكاني والزماني وامتدادها ومع بروز الدولة الحديثة جعلت هذه الأوضاع المختلفة تساهم في بروز الصراعات خاصة عندما تستغل بعض الاثنيات الظروف وتجيرها لصالحها مما يعني تضارب المصالح وتولد الصراع.

إن تواجد هذه الاثنيات ضمن تشكيلة الدولة الوطنية بهذه الصورة حديثا ساهم في تفاقم هذه الصراعات خاصة أن الاثنيات يكون لديها القابلية للصراع بناءا على موقعها من خارطة صراع المصالح ، فبعضها يجد نفسه داخل دولة تعرف نفسها بأنها متعددة العرقيات وتبني هويتها على أساس اللغة مثل بلجيكا وسويسرا ، أو الدين مثل السيخ ،الهندوس، المسلمون في الهند، أو الجنس في جنوب أفريقيا الافريكانرز،البوير،وبعض الجماعات العرقية تجد نفسها في داخل دولة لا تعترف رسميا بتكوينها المتعدد الأعراق مثل فرنسا، اليابان، اندونيسيا، تركيا، والأقليات توجد في مناطق معينة مثل البربتون والكورسيكون في فرنسا، البربر في الجزائر، وكذلك نجد بعض الأقليات القومية التي تشترك مع جماعات عرقية من نفس أصلها في دول مجاورة قد يكون لها فيها وضع الأغلبية وهذا يؤدي عند حدوث خلافات لجوء الاثنية إلى دول الجوار واستخدام بعدها الاثني بكثافة في الصراع مع الدولة المركزية.

وكذلك الجماعات الاثنية التي تتواجد على الحدود الدولية لدولتين وتكون في وضع أقلية في كل منهما مثل الباسك في اسبانيا وفرنسا والأكراد في سوريا والعراق وإيران وتركيا وهذا يؤدي إلى بروز مطالب الانفصال خاصة عند إحساس هذه المجموعات بالتهميش من قبل السلطة السياسية لدولهم .

بعض الاثنيات تنتج لظروف اللجوء والهجرات الواسعة خاصة بين دول العالم الثالث نتيجة للحروبات أو الجفاف، والهجرات إلى الدول الصناعية والتي يشكلون فيها جيوبا عرقية ويمكن أن تكون سببا في بروز صراع  بعد إحساسهم بالتهميش السياسي والاقتصادي فيكون وضعهم مناسبا للقيام بالعصيان المدني أو رفع السلاح أو المظاهرات كتعبير عن حالات الاحتقان الاثني مثل ما شهدته العاصمة الفرنسية باريس قبل سنوات من ثورة الشباب المغاربة في الأحياء الفقيرة، كما نجد بعض الاثنيات أنها قد تحولت إلى أقلية نتيجة للظروف التاريخية لغزوهم وإدماجهم في بناء الدولة الحديثة فبذلك يسعون إلى مقاومة التذويب والإبادة الجماعية مثل شعوب الأمريكيتين.

مجمل هذه الأوضاع لا تخلق الصراع في حد ذاته وإنما تكون مع عوامل أخرى قد تتبعها الدولة أو الاثنيات السائدة تجاه المجموعات الأخرى من تهميش على مستوى صنع القرار السياسي وذلك باحتكار السلطة والتمتع بمزاياها وإبعاد الآخرين وكذلك سيطرة المجموعة السائدة على مفاتيح الوضع الاقتصادي من تجارة بينية وتجارة دولية وعلاقات اقتصادية مع المجتمع الدولي دون إفساح للمجموعات الأخرى نفس الإمكانيات(تعداد إمكانيات الجبرته قبل التحرير في ارتريا وتجارهم وممتلكاتهم وعقاراتهم ومقارنة ذلك بوضعهم الان ان كانو تجرنجة فلم لم يحافظ النظام على مصالحهم،، بالتاكيد هنالك علاقات مع النصارى ولكن...)، وهذه الاثنية السائدة تتقدم اقتصاديا ليس لتفوقها الفكري الاقتصادي كما نجد أحيانا، وإنما تتفوق على المجموعات الأخرى باستخدامها لإمكانيات الدولة وعلاقاتها في خدمة مصالحها المالية مما يجعل الآخرين ينفرون من هذه الأوضاع ويسعون للتغيير والذي يتخذ وسائل مختلفة من سلمية في شكل احتجاجات أو وسائل عنيفة مثل العمل المسلح.

هذه الاختلافات في الأوضاع يصاحبها اختلافات اثنيه من حيث تصنيفها والذي يكون أحيانا قائما على المقومات الذاتية من وحدة الأصل والجماعات اللغوية والجماعات الدينية وتصنيف آخر قائم على المواقع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وموقع الجماعة الاثنية فيه فتصنيف الجبهة الشعبية الذي حاولت به طمس هوية الجبرته لهو من النماذج الحاضرة في الذاكرة التاريخية لأبناء الشعب الارتري.

ونجد أن الاختلاف سمة طبيعية في هذا الكون من وجود ليل ونهار، وذكر وأنثى، وسماء وارض، واسود وابيض، وكذلك وجود مسميات مختلفة من علو وسفل، والدور الاجتماعي للقاضي المحلي والمدنيين. وهكذا سنة الحياة والتي لم تكن سببا في صراع مع بعضها البعض فنجد أن الاختلاف في الأصل المشترك أو اللغة أو الدين لم تكن هي الأسباب الرئيسية للصراع بين بني البشر والتي لو كانت كذلك لما وجدنا هذه الاختلافات في بعض المواقع تتعايش جنبا إلى جنب منذ عهود طويلة، ولشاهدنا الصراعات التي تهدف إلى إلغاء كينونة الآخر بناءا على لونه أو عرقه أو لغته ولما حدث الإثراء الثقافي والاختلاف في العادات والتقاليد ولانقرض بنو البشر الضعفاء منهم ويسود الأقوياء، وبناءا عليه سوف يحدث الصراع بين هؤلاء الأقوياء بعد برهة من الزمن بناءا على الاختلافات التي بينهم، مما يعني تدمير النسل الإنساني وتوقفه على قلة من البشر وهذا يعني أن اختلاف الإنسان بيولوجيا هو سببا في الصراع، أما الذي نجده على ارض الواقع لا يقصد الاختلاف العرقي والاثني لذاته وإنما الاختلافات حول الموارد الاقتصادية والسياسية والخلاف حول تقسيمها هو الذي يؤدي إلى نشوء الصراع بين الشعوب.

ونلاحظ انه في دول مثل أمريكا بها من الاختلافات الاثنية والعرقية بين سكانها ولا نجد صراعا بين المكونات الرئيسية للدولة وان وجد فهو في البرنامج الاقتصادي والسياسي للأحزاب السياسية وهي اختلافات حول الرؤى المناسبة لخدمة الشعب الأمريكي بجميع طوائفه رغم الاختلاف الاثني فلا نجد الصراع  العرقي بمعناه الدقيق بينما نجد أن الصومال رغم التشابه بين مكوناته الإقليمية واشتراكهم في اللغة والثقافة والتاريخ مع التجانس الاثني الذي يميز الصومال أدت العشائرية إلى انهيار الدولة فيه بعد استخدامها من قبل السياسيين والمتنفذين في الصومال، وفي الواقع الارتري كثيرا ما يستخدم العامل الاثني سواء من النظام أو من المعارضة ويجب على الجميع أن يعي أن المسالة في بعدها الرئيسي هي مسالة الحقوق والعدالة بين مكونات المجتمع الارتري كافة مسلميه ومسيحيه مرتفعاته ومنخفضاته.

هذه الاختلافات الثقافية والاثنية عندما تتحول إلى معرفة المكانة من المواقع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تبرز الصراعات فنجد وفقا لذلك جماعات مسيطرة وجماعات خاضعة وتكون السيطرة بالهيمنة على السلطة والثروة في المجتمع بينما تكون الجماعة الخاضعة بعيدة عن السلطة والثروة ومواقع صنع القرار، كما أنها تكون اقل ثراءا من الناحية الاقتصادية من الجماعة المسيطرة، وتكون الجماعة الخاضعة عرضة للتهميش وغير قادرة على التعبير عن مصالحها وهويتها، وعلى الرغم من أن الغالب هو تطابق هذا المفهوم مع مفهوم الأغلبية والأقلية حيث تكون الأغلبية هي المسيطرة بينما تكون الأقلية هي الخاضعة، لكن ومع ذلك فان الأقليات ليست بالضرورة جماعات غير مسيطرة ففي ناميبيا سيطرت الأقلية البيضاء التي لا تتجاوز 7% من مجموع السكان على الأغلبية السوداء التي ظلت تعاني لفترات طويلة من الاضطهاد والتمييز الذي تمارسه الأقلية البيضاء، وفي بلجيكا يسيطر الوالون على الرغم من كونهم أقلية على الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد، وفي بوروندي تسيطر قبيلة التوتسي على الأوضاع السياسية والاقتصادية على الرغم من كونها أقلية حوالي 14% بينما يعاني الهوتو 85% من اضطهاد الأقلية التوتسية.

ونجد أن الصراعات العرقية تنشأ من المشكلات التي تمس بتغيرات في مكانة الجماعات العرقية سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية داخل بناء الدولة، ولا يوجد الصراع العرقي بالمعنى الدقيق للمصطلح، لكن الموجود فعلا هو الصراع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بين جماعات من الناس تعرف بعضها على اساس عرقي اللون او الجنس، الديانة،اللغة والأصل القومي وفي أحيان كثيرة قد تغطي هذه المميزات العرقية على ملامح مميزة أخرى مثل المصالح الطبقية والسلطة السياسية والتي قد تظهر بعد التحليل أنها الأكثر أهمية في الصراع داخل الدولة أو خارجها .وهذا ما نخشاه على البعض الذي يناضل من اجل مصالحه الطبقية والسياسية وليس من اجل شعبه ورفاهيته بل يستخدم شعبه،مثل ما فعل أسياس بالشعب الارتري(النصارى) الذين لم يهتم براحتهم ورفاهيتهم وتخفيف عذاباتهم .

بالرغم من أن الجانب الاثني يلعب دورا بارزا وكبيرا في تزايد حدة الصراع خاصة عندما يستدعى من قبل الطرفين أو من قبل الجماعات الاثنية المهمشة والتي تعمل على إقناع أفرادها بان التهميش الاقتصادي والسياسي قد طالهم نتيجة لانتمائهم الاثني وليس لظروف أخرى كما يرى قادة الدولة الوطنية خاصة أن بناءها ونموها لم يأت بصورة طبيعية وإنما لظروف تاريخية يرمى بعضها على عاتق الاستعمار.

ويرى قادة الجماعات الاثنية المهمشة انه لا توجد عدالة في توزيع السلطة والثروة وأنهم قصدوا لذاتهم وليس لأسباب موضوعية تتعلق بشح الموارد وإمكانيات الدولة وهذا مما يطور النزاع إلى صراع يأخذ طابع العنف لأخذ الحقوق.

بعد تطور النزاع ووصوله درجة حادة من التعقيد وضعف إمكانيات الدولة المركزية في حل المعضلات خاصة المصالح الاقتصادية والسياسية للجماعات الاثنية تبدأ هذه الجماعات في استخدام إستراتيجية تتلاءم وتحقيق مصالحها وبمجرد أن حققت هذه المصالح الاقتصادية والسياسية للجماعات الاثنية تخبو ظاهرة الصراع خاصة بعد حسم الجماعات الاثنية الأمر بالقوة او بالاستجابة لها من طرف الجماعات التي كانت مسيطرة ويبدأ العيش في سلام ووئام وتعمير ما خربته الحرب وهذا يعكس الصورة الحقيقية لهذه الصراعات في أن محركها الرئيسي هو الجانب الاقتصادي والسياسي والاختلاف في تقسيم الموارد وليس في الاختلافات الاثنية لأنه لو كانت كذلك لما شهدنا نهاية للحرب والصراع إلا بانقراض وإبادة طرف معين ولما شهدنا التعاون في تحقيق السلام وتعمير ما خربته الحرب ومعالجة الحزازات الاثنية في فترة السلم والتقاسم العادل للسلطة والثروة والموارد بصفة عامة.

أما الوضع الحالي فسيطرة حفنة من النفعيين الذين تمرسوا في دق الاسفين بين فئات الشعب الارتري، وسيطروا على كافة مقدرات الشعب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وزرع فتن دينية واجتماعية تهدد كيان الدولة الارترية، ولكن على الجميع التحلي بالروح الوطنية وإيجاد عقد اجتماعي جديد نتجاوز به ما يكرس له النظام واهم تلك النقاط مسالة التساوي في الحقوق واداء الواجبات.

الجبرت والصراع :

نحاول فيما يلي أن نناقش ، لماذا يرفض الجبرت هذا التصنيف ؟

في محاولة لفك الاشتباك بإسقاط الدراسة أعلاه على الواقع الجبرتى ودراسة خلفية وتبعات هذا التصنيف بالاعتماد علي اللغة كعنصر مهم ووحيد دون غيره من عناصر قد تفوقه أهمية ورمزية لتحديد الهوية ( القومية الاثنية ) .

إذن نحن بصدد مناقشة قضية تخلف عنها من كنا نحسبهم وكلاء الشعب وحماة حقوقه من تنظيمات وطنية وأخري وطنية إسلامية ومنظمات حقوقية ارترية كان الأجدر أن يتصدوا لها ويضمنونها برامجهم السياسية،على أقل تقدير كحالة وطنية وإنسانية وذات بعد إسلامي، لكننا وللأسف الشديد نعيش زمانا يضيع فيه الحق إن لم يجد له بواكي.

وهنا لا نخفي تحاملنا على معظم المكونات السياسية والمجتمعية خاصة الإسلامية منها،وبما اننا نجد لها العذر في الإلتباث الذي يغطي على مفهوم الكثيرين من تعريفهم لمفهوم القومية الإثنية وتبعات وخلفيات التصنيف الذي أعتمده نظام هغدف نحمل على عاتقنا مسئولية التوضيح والتصدي لهذه القضية،ولا نقول كما قال قائل العرب ( لا يسلم النسب الشريف من الأذى حتى تراق على جوانبه الدم ) لكننا نقابله بالحلم والحجة والمنطق والحوار الذي هو شيمة هذا العصر.

ان الشعب الجبرتي تواجد على هذه الأرض منذ ما يقارب الألف عام ونيف بهذا الاسم وحافظ عليه الآباء والأجداد ولم يكونوا متعصبين قط لمجموعتهم الاثنية فقد تعايشوا باحترام متبادل مع كل من جاورهم ويشهد لهم التاريخ القريب والبعيد في التاريخ الارتري أنهم قدموا قضايا الوطن على كافة قضاياهم الاثنية والاجتماعية وقضايا الصراع على السلطة المدمر،كان همهم هو حلم الآباء والأجداد ولكن الواقع الذي يعيشه المجتمع الارتري والدولة الارترية جعلهم يشقون طريقا ليس لمجموعتهم الاثنية فحسب وإنما أيضا لكافة فئات الشعب الارتري من اجل دولة العدل والقانون.

نشأة مقولة التصنيف اللغوي في ارتريا:

بتتبع التاريخ القريب لهذه المقولة نجد ان جبهة التحرير الارترية هي أول من استخدمها، ولم تخرج في استخدامها من إطار اللغات المستخدمة في التعبئة الجماهيرية كما اراد لها منظروها آنذاك .

في الإتجاه الآخر أي الجبهة الشعبية وعند التعريف بالشعب الارتري في وثيقة نحنان علامانان ذكر الجبرته باعتبارهم إحدى مكونات الشعب الارتري ويتحدثون التجرنجة ويسكنون المرتفعات . عدا ذلك لم يرد في أدبياتهم إلي حين الاستقلال شيئ يخالف بصورة رئيسية عما صدر من قيادات جبهة التحرير الإرترية بهذا الخصوص رغم توجههم في استخدام مقولة تقرنجي للحد من الإستقطاب الذي كان يترائى من حين إلى آخر بين مكونات النصارى من سكان المرتفعات وتصنيفهم على مسميات حماسين،سراي، اكلوقزاي، التي كانت تصاحبها نعرات موروثة أتت مع المناضلين من بيئاتهم الجغرافية والإجتماعية فكان يستعاض عن هذه المسميات (بغرض تأكيد الوحدة وحماية الصف الداخلي ) بمقولة "حبشه" في أغلب الأحيان أو "تقرنجي" في أحيان أخري دون منع استخدام المسميات الثلاثة في التعريف بالشخص أو المجموعات وعلى هذا الأساس كانت تصفية المنكع وهم من ابناء أكلوقزاي وإن وجد لها مبرر آخر لكن الحقيقة تظل كما هي .

الجدير بالذكر أن الجبرت وعلى طوال تاريخ النضال الإرتري كانوا يتمتعون بالاعتبار الكامل الغير منقوص لهويتهم المستقلة حتى فجر الإستقلال والشروع في الاستفتاء .

عند حلول عهد الإستفتاء أصدر الامين العام للجبهة الشعبية بيان يعلن فيه أن في إرتريا مجموعات لغوية حصرها في تسع لغات فقط ليلغي بذلك حق التجمع والتحزب على الأساس العرقي أو الديني ،كأول إعلان رسمي تتصدرها مقولة التجرنجي كرمز لقومية اثنية تسكن المرتفعات يعتنق اغلب أهلها النصرانية مع قلة مسلمة ، فاتحا بذلك فرص الصعود للقومية المفترضة وحكم بالتلاشي والإندثار للجبرت كقومية اثنية ذات تاريخ وعرق وديانة إسلامية.

فرفض الجبرت ذلك رفضا قاطعا ولمعالجة هذه الإشكالية تحرك وفد الجبرته من السعودية الى الحكومة وإبلاغهم بان الجبرته قومية قائمة بذاتها ولها تاريخ ضارب في عمق الأرض الارترية وأنهم كانوا اشد المطالبين بالاستقلال على عكس غيرهم من الارتريين،وأيضا التوضيح بخصوص القومية المفترضة التي نشأت على حساب الجبرته وبدلا من التعامل مع الوفد بصورة كريمة ومحترمة لأنه حاملا مطلب الجبرته الواضح في قوميتهم المستقلة تم الزج بالوفد الكريم الى المعتقل وعوملوا بطريقة غير لائقة بالإنسان،ولكنهم صمدوا رغم كل المرارات.

البعد الديني :

يلعب البعد الديني دورا رئيسا في تشكيل الرفض الجبرتي ولأنهم في بيئة محيطها الغالبية هم من النصارى يسعوا دائما الى ان يتميزوا عنهم وذلك بتمسكهم بدينهم حتى ليميزهم عن الأغلبية فكل ما اجتمع عدد من الجبرته في اي منطقة يبنوا مسجدا وهكذا يتعاونوا على الخير النابع من القيم الدينية، وقد تميزو بتمسكهم بدينهم رغم الحملات التنصيرية العنيفة التي تعرضوا لها، تلك الحملات التي استمرت لقرون عديدة في عهد الملك تيدروس وفاسيل وكان آخرها الإمبراطور يوهنس، لذلك النفور دائما من الكنيسة باعتبارها راعية الأنظمة الإقطاعية.

ان المعاناة الاخيرة كانت على يد الامبراطور يوهنس والذي سعى لتوحيد الديانة في امبراطوريته وقد قتل وشرد الجبرته وبعضهم من اضطر الى لبس المعتب نهارا وممارسة شعائره الدينية واداء صلواته الخمس ليلا تلك الذكريات تجعل الجبرته يرفضوا ان يكونوا مع النصارى.

فالمجتمع الجبرتي يسعى للتميز عن النصارى يسعى الى ان يكون دائما في الجانب الاخر لهم،حرموا على انفسهم اكل لحوم النصارى رغم ان لحم اهل الكتب حل لهم ولكن يلاحظ مدى تاثير العمق الديني في تشكيل مواقفهم وتصورهم ، وهم الملتزمون به من دون باقي اخوتهم المسلمين خاصة أبناء المنخفضات الذين ياتون وياكلوا لحوم النصارى،كذلك التميز في اللبس عن النصارى،وفي جانب العهد والوفاء به بامانة وهذا يتضح في الجانب المالي فقد تميز المجتمع الجبرتي به وان النصارى يضعوا امانتهم واموالهم كعهدة عند الجبرته ولا يضعونها مع اخوتهم النصارى.

لقد كان التمييز في السابق قائم على الجوانب الدينية والاثنية أحيانا ومن ضمن نماذج التعايش والمسميات كان اسلاماي وكستاناي، وأيضا جبرتي وساهو وغيرها من فئات المجتمع الارتري بمسمياته المختلفة والاحترام المتبادل والتعايش السلمي سائدا بين فئاته رغم وجود بعض الهنات هنا وهناك،ولكن النظام الحاكم الذي لا يهتم بالتعايش السلمي أبت نفسه إلا فرض الاسم قسرا على المجتمع الجبرتي ولكن هيهات.

البعد التاريخي:

ينظر الجبرت الى أنفسهم بأنهم امتداد لتاريخ إسلامي عريق متجذر في ارض الحبشة منذ هجرة الصحابة الى ملكها العادل النجاشي عليه السلام،وساهموا في نشر الإسلام في منطقة القرن الأفريقي وسط القبائل الوثنية والمسيحية،وقد ساهموا في تأسيس ممالك الطراز الإسلامي وأبرزها مملكة ايفات جبرت التي كانت تقود تلك الممالك وقد دخلت في حروب شرسة ضد الإمبراطوريات الإقطاعية الكنسية،ومن ضمن ابرز تلك الحروبات غزوات الإمام احمد الذي سيطرت جيوشه على معظم أراضي الحبشة،وقد كانت هنالك تدخلات دولية في الصراع خاصة من قبل البرتغاليين الذين دعموا جيوش الإمبراطورية النصرانية بالأسلحة النارية مما ادى الى ترجيح الكفة،وهذه الحروب من النماذج الحاضرة في التاريخ القريب والبعيد للصراع، لذلك يرفضوا الانضمام مع النصارى.

في التاريخ الارتري القريب كان الرفض القاطع للانضمام مع اثيوبيا لان ذلك يعني تواصل مسلسل المعاناة والاضطهاد،مسلسل التمييز القائم على اسس دينية، عدم وجود العدالة في معناها الاسمي والفعلي، يعلمون إن تم التقسيم أو الانضمام سوف يكونوا عرضة للاضطهاد ثانية على يد الإمبراطور هيلاسلاسى،لذلك تصدوا لتلك المطالب جميعها وطالبوا بالاستقلال الكامل ووحدة ارتريا .

تبعات هذا التصنيف على الجبرت:

لان هذا التصنيف له تبعات على مسالة الحقوق فهنالك قضايا مرتبطة بالحقوق الوطنية هنالك حقوق التمثيل في كل المحافل الارترية والإقليمية والدولية التي يترتب عليها في ظل دمج هويتهم او إلغائهم، الجبرته اليوم يتم تذويبهم لأنهم أقلية بالأغلبية سوف يفقدوا تمثيلهم في مواقع اتخاذ القرار، الإقصاء الذي تم على الآخرين بدأ بالجبرته أولا.

إن حق الجبرته الأصيل في كونهم قومية قائمة بذاتها هي من ابسط حقوق الإنسان وحقوق الأقليات ذات الخصوصية الثقافية المتفردة وهذه مكفولة في المواثيق الإقليمية والدولية،وما يقع على الجبرته إلغاء لتاريخهم ودورهم وهذا الإلغاء يقابل برفض عام من عموم المسلمين والمسيحيين الذين يسعون من اجل العدالة.

الخاتمة:

يمكن القول أن الاختلافات الاثنية ليست سببا في الصراع ولكن عندما تتحول هذه الاختلافات إلى اختلافات اقتصادية وسياسية وثقافية يبرز الصراع إلى السطح وتستخدم الاثنية كأيدلوجية لإدارة الصراع المحدد وتوظيفها ضمن اطر هذا الصراع وإلا لما شهدنا حروبا أهلية مختلفة مثل الحرب الأهلية الأثيوبية بين جبهة تحرير التيغراي ومنغستو الذي ينتمي إلى اثنية الامهرا، وصراعات دارفور والتي يرى البعض أنها حالة من حالات الحروب الاثنية.

كذلك لعدالة تقسيم الموارد بين الشعوب بالإضافة لمؤثرات أخرى نجد الاستقرار بين مكونات الشعب اللبناني سنة وشيعة ، مسلمين ومسيحيين وكذلك حالات الاستقرار الاثني في أمريكا رغم الاختلافات التي بينهم والتي لم تتحول إلى حالة الإقصاء والتهميش الاقتصادي والسياسي والذي سوف يؤدي إلى الصراع بين هذه المكونات خاصة انها مكونات اجتماعية طابعها التداخل والتجاور وهذا بطبيعة الإنسان على مستواه الفردي والذي يسعى للعيش مع الآخرين ولا ينعزل عنهم وهذا يؤدي إلى الاحتكاك اليومي وبروز قيم بين بني البشر والجماعات الاثنية منها ظاهرة الانفعالات، قيمة التصاهر والتي تؤدي أحيانا إلى ردم الهوة في جانب الاختلافات الاثنية وتلطيف التعايش بين الجماعات الاثنية.

ومع كل جرائم النظام في حق مكونات المجتمع الارتري كافة يحتاج الوضع منا أن نتكاتف جميعا بكل اثنياتنا واعراقنا وديننا وجغرافيتنا مسلمين ومسيحيين مرتفعات ومنخفضات وسواحل من اجل إنقاذ الدولة الارترية التي تتقاذفها الأمواج بسبب التعامل اللا مسئول من قبل النظام الحاكم في أسمرة فنحن كنا قبل ميلاد اسياس جبرته ونظل الآن جبرته وما بعد اسياس جبرته، وتلك حقوقنا كقومية ارترية متفردة ولها تاريخ مشهود في النضال ضد المستعمر،وحقوقنا كقومية قائمة بذاتها لا تقبل المساومة أو غيرها وإنما هو حق طبيعي ضمن الفسيفساء العرقية الارترية.